السوبان
عدد المساهمات : 559 تاريخ التسجيل : 14/11/2010
| موضوع: رد شبهة أن ابن تيمية يعلم الغيب. السبت نوفمبر 20, 2010 1:55 am | |
| هناك فرق كبير بين حال ابن تيمية وحال شيوخ المتصوفة فحال ابن تيمية رحمه الله تعالى هو حال المؤمن التقي العالم العامل الذكي الفطن المشارك في أمور الدين والدنيا والمتابع لها ، فبعض الأخبار التي يخبر بها كالهزيمة في بعض الأوقات واحتلال العدو بلداً ما ، والنصر عليه مرة أخرى هو من قبيل الفراسة الشرعية التي ذكرها الله في كتابه فقال : ( إن في ذلك لآيات للمتوسمين ) الحجر 75 ، وقال (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به، ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ) النساء 83 ، فهناك طائفة من الناس الذين أوتوا فطنة وذكاء ، ولهم متابعة للأمور العامة وللاطلاع عليها يرون مقدمات وظواهر فيربطون بعضها ببعض ، فيتوقعون ماذا سيحصل بناء على النظر والتحليل والدراسة والبحث ، والتسلسل وربط الأسباب بالمسببات فيقع ماتوقعوه واستنتجوه على وِزان ماقال الشاعر : الألمعي الذي يظن بك الظن كأن قد رأى وقد سمعا .
فكيف إذا جمع إلى الذكاء والفطنة والدراسة العميقة للكتاب والسنة والاطلاع والمتابعة الواسعة للأحداث إيماناً راسخاً وصلة بالله قوية ، ونفساً صافية واستقامة صادقة فإن ذلك جدير بأن يهبه الله إلهاماً منه وتوفيقا، كما قال الله جل وعلا : ( يا أيها الذين أمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ...) الأنفال 29، وذكر الله تعالى في الحديث القدسي الذي رواه البخاري في صحيحه عن المؤمن الذي أتى بالفرائض وأكثر من النوافل وأخلص قلبه لله فإنه سبحاته يحبه ، وإذا أحبه كان سمعه وبصره ويده ورجله، يعني كان مؤيداً من الله ومسدداً يجيبه إذا دعا ويعطيه إذا سأل، ويسدده إذا قال وفعل، ويصلح عمله كله ، ويقيه السيئات، وفي ذلك يقول سبحانه أيضا : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ...) الأحزاب 70-71 ، وورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنورالله " (1)
ومثل هذا من معرفة مافي نفوس أصحابه وغيرهم من النظر في وجوههم وأعينهم ، فهذا وما سبق ليس من الاطلاع على اللوح المحفوظ ومعرفة الغيب في شيء، وإنما هو من الفراسة وهي استنتاج مافي الباطن من خلال تأمل وتفحص ممافي الظاهر، فمثلا إن صاحب التجربة والخبرة بأمور الجرائم والجنايات يكتسب من عمله وتجربته أن المجرم عادة يكون في نفسه اضطراب وقلق من انكشاف أمره، ويظهر هذا من خلال تصرفاته العفوية، فهو يكثر الالتفات والانفعال عند كل صيحة أو حركة مفاجئة ، ولايكون في نظراته هدوء الإنسان البريء وبساطته، بل يكون عكسها، ومن العادة أن يتردد على مكان الجريمة ليشم الأخبار ..، فمراقبة حاله الظاهرة وملاحظة تصرفاته الغربية الغريبة تدل عليه، ولذلك قيل : يكاد المجرم يقول : خذوني ، ونقل عن الخليفة عثمان رضي الله عنه أن رجلا دخل عليه ، فنظر إليه وقال : مابال أحدكم يدخل علي وعليه ملامح الزنا أو دلائل الزنا – أوكما قال – واعترف الرجل أنه أتى مقدمات الزنا. والحديث السابق ( اتقوا فراسة المؤمن ..) بعضهم يرويه من كلام عثمان ، ولامانع أن يكون أصله عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم استشهد به عثمان رضي الله عنه
أقول : فهذا وأمثاله ليس من معرفة الغيب ولامن الاطلاع على اللوح المحفوظ في شيء، وإنما هو من الفراسة والفطنة والخبرة بالناس والحياة، وابن القيم تلميذ الإمام ابن تيمية هو نفسه لما أورد هذه الأخبار لم يقل : أنها من معرفته بالغيب ولامن اطلاعه على اللوح المحفوظ وإنما قال : إن هذا من الفراسة ، وقد توجد هذه الموهبة وهذه الخبرة لدى بعض الكفار، فلا تدل بمفردها على صلاح أو فساد، أقول هذا عن استنتاج حال بعض الناس كالمجرمين والمخادعين والجواسيس ونحوهم، ومن يعمل في أجهزة الأمن الخاصة يتتبع هؤلاء ويكون لديه من الخبرة ومن الدراسة ما يؤهله لاكتساب هذه المهارة .
وأما جزم ابن تيمية كما نقل عنه ابن القيم بهزيمة المسلمين في المرة الأولى أمام التتار، وانتصارهم عليهم في المرة الثانية، وإخبار الوالي له بأن السلطان في مصر استدعاه ليقتله، والكتب منه قد تواترت في ذلك، فقال : إنه لن يقتلني ولكن سيسجنني، وكذلك لما تولى عدوه الملقب بالجاشنكير الملك وتوقع أصحابه من ذلك الشر المستطير نحوه، سجد شكراً لله وأخبرهم أن هذا بداية سقوطه السريع، وكان في كل ذلك ما أخبر .
وأرى أن هذه الأخبار ومثلها مما أشار إليها ابن القيم كثير – هي من باب الإلهام والكرامات التي أكرمه الله بها والتي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنها كانت من نوع ما كان في الأمم قبلنا، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " قد كان يكون في الأمم قبلكم محدثون فإن يكن في أمتي منهم أحد، فهو فإن عمر بن الخطاب منهم " (2) والكرامة الخارقة للعادة ثابتة شرعاً ونحن لاننكرها، ولكن الكرامة لها شروط وضوابط، وإنكارنا على المتصوفة أنهم يدعونها لكل من هب ودب منهم، ويبالغون فيها مبالغة شديدة، ولايتقيدون بضوابطها وشروطها، فمن الثابت شرعاً أن الكرامة تكون للصالحين الأتقياء العاملين بالكتاب والسنة، وللعقلاء الواعين، وأنها تقع لمصلحة شرعية لإنقاذ إنسان أو مجموعة أو أهل بلد من الهلاك والشر المستطير أو الهزيمة، وأنها بيد الله وحده، ومن تقع على يده لا يملكها فيوقعها متى شاء، بل هي ملك الله يوقعها متى شاء، وأنه لايريد بها شهرة ولافخراً ولا علواً ولابغياً على عباد الله، وأنها لاتكون شاملة ومماثلة لكل معجزات الأنبياء، وكل ماروي من كرامات زمن السلف كان قليلاً ومحدوداً مع أنهم أفضل جيل شهد له الله تعالى بالأفضلية والتزكية على كل البشر قديما وحديثا ماعدا الأنبياء.
هذا مايفهمه ويعتقده أهل السنة أما المتصوفة فالكرامات عندهم لازمام لها ولاخطام، فهم ينسبون الكرامة والولاية للبُلْهِ والحمقى والجهال والمجانين والمجاذيب، وقد قال الإمام أحمد : "ما اتخذ الله ولياً جاهلاً ولو اتخذه لعلمه" بل ويدعونها لمن يأتي الكبائر والفسوق ولمن لايؤدي الصلوات، ويأتون بالكرامات المزعومة للمباهاة وللفخر ويتحدون بها المسلمين وليس الكفار، ويفعلونها بزعمهم متى شاؤوا، للفرجة والتسلية والتفاخر، كما يفعل أصحاب الطريقة الرفاعية باللعب بالحيات والأفاعي، وكما يفعل غيرهم بضرب الشيش بأجسادهم دون سيل دماء، ويدعون أن كل ماكان معجزة لنبي يصح أن يكون كرامة لولي، فهذا الذي ننكره، وينكره الشرع والدين، والكرامة خارقة للعادة تقع على يد إنسان مؤمن صالح تقي لمصلحة شرعية، وأما خوارقهم فهي من جنس الخوارق التي تحدثها الشياطين لإضلال بني آدم ، أو مايستدرج الله تعالى به الكفار والفجار ليمتحن بذلك الناس، وهي من نوع مايفعله الدجال الأكبر في آخر الزمان من قوله للسماء: أمطري فتمطر، وللأرض : أنبتي، فتنبت، ويمشي فتتبعه كنوز الأرض، ويكون معه جنة ونار، فجنته نار، وناره جنة ... الخ، وبعض مايفعله المتصوفة يفعله بعض الكفار من المشركين وغيرهم، فمن المشهود عن الهنود أن منهم من يأكل الزجاج ويبلع المسامير ويضرب نفسه بالمسلات الحادة، وكثير من العجائب والخوارق، وهم ليسوا من الدين الحق في شيء.
وبعضهم تكون خوارقه شعبذة وحيلاً خفية، وليست من الخوارق في شيء، وكذلك كرامات كثير من المتصوفة، وقد حدث أحد الأخوة السلفيين الذي كان زمناً من إحدى الطرق الصوفية أنه كان معهم يضرب الشيش وغيره، وسألته عن سر ذلك وكيف لايؤذيهم ولاتسيل منهم الدماء، فأخبرني أنهم يتعلمون ذلك ويتعودونه بالتدرج ويتدربون عليه، وأنهم يصبرون على الألم ويتحملونه، ويخفف إحساسهم مايرافق ذلك في حفلاتهم من الصخب والضجيج وضرب الدفوف والطبول، والرقص والذكر والأناشيد، وكشف لي عن بطنه فأراني الندبات التي خلفتها هذه الأفعال، فهذا بإيجاز فرق بين كرامات وفراسات المؤمنين الملتزمين حقاً بدين الله الصحيح، وبين ما يدعيه المتصوفة وأصحاب البدع، ومن أراد أن يتوسع فلينظر ماكتبه شيخ الإسلام ابن تيمية في (مجموع الفتاوى 10/ 467 – 485).
================== (1) رواه الترمذي ( التفسير 16/ رقم 3127 ) وقال : حديث غريب ، وضعفه الألباني في (السلسلة الضعيفة 821) وفيه عطية العوفي ضعيف ، وله طرق وشواهد لعله يقوى بها ، وقد استشهد به ابن تيمية في ( الفتاوى -10/473) وسكت عنه. (2) رواه البخاري ( فضائل الصحابة 6، والأنبياء 54/4/149) ومسلم ( فضائل الصحابة 23 / 2398) والترمذي ( المناقب 18/ 3693) وأحمد (6/55/24285) كلهم عن عائشة إلا البخاري فإنه عن أبي هريرة وفي رواية ثانية لأحمد كذلك عنه، واللفظ لمسلم. http://www.soufia-h.net/showthread.php?t=6614 | |
|